يمنى الشكر*

هم وقود الاستحقاقات والمناسبات والاستعراضات والنزاعات. إنّهم الشباب. يورثونهم أهواءهم وأحقادهم بالأطنان حتّى العظم. ينكأون بهم الجراح حتى أعمق الأعماق، ويصلون معهم في المطاف الأخير الى أزمنة الخيبات.
هم أسرى الأقدار المرسومة في كلّ جيل يعبرونه: عابثين، منتفضين، ثائرين، مكافحين، خاضعين، أو مسحوقين. شهداء لقضايا وشعارات محقّة ترفعها كلّ مجموعة ينتمون إليها، يمسون ذكرى للتحفيز وكلاماً في خطب، وصوراً ترفع غبّ الطلب وصولاً إلى تسويات أو خروجاً منها.
أحياءٌ بذل أهلهم الغالي والنفيس لترقيتهم في العلم والمعرفة، فإذا بهم إمّا مشروع شهادةٍ يسوّق لها الزمن الصعب والعقائد المتفجّرة، وإمّا يبيتون في بطالة تعبّر عن الزمن الاقتصاديّ والماليّ الرديء، أو يهاجرون بحثاً عن متنفس وغَدٍ بلا مرارة . أما العاملون على البقاء فيرضخون لولاءٍ سياسيٍّ يؤمّن لهم الخدمات مقابل تحولّهم خزّاناً انتخابياً للقوى السياسية وأدواتٍ تعزّز نفوذ الزعامات.
الجيل السابق تمسّك بوطنه في أصعب المراحل وأدقّ الأزمات ورفع شعار: “لبنان ليس فندقاً” راغباً في أن يكون قوّة تغيير. هو نفسه الذي حصد الخيبات يستعجل اليوم في إرسال أفلاذ أكباده إلى الخارج، حيث باتت الأمّهات مثل القطط تنجب صغارها وتبعدهم عنها. فبدل أن يثمّروا ويستثمروا ضمن بيئتهم، يرحل شبابنا مشكلّين صمام أمان يخفف من الضغط على الداخل، ويأخذ صورة تحويلات مالية تحجّم وطأة الأزمات، من دون أيّ إسهامٍ في تقدّم الحياة السياسية والاجتماعية. وهكذا يخسر لبنان الموارد البشرية المؤهّلة لإعادة نهوضه بعدما ترحل منه الكفاءات وتتراجع نسبة الشباب اللبناني بصورة مضطردة، كما تنكفئ أدوار هذه الشريحة العمرية في الحياة السياسية والشأن العام.
وتشهد الأرقام، وإن تفاوتت بين مرجعية وأخرى وبين منصة وأخرى، على رغبة جدّية لدى الشباب اللبناني بالهجرة. فوفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الصادر عام 2022، بلغت نسبتهم 77%. فيما يشير تقرير لمركز الدراسات اللبنانية إلى نسبة 84%. أمّا عن المغادرين، فوثّقت المديرية العامة للأمن العام اللبناني صافي المغادرين خلال عام 2024 حتى منتصف تشرين الثاني بنحو 257,090 شخصاً، أي أكثر من ربع مليون مغادر. وتشير منصةMacrotrends إلى نسبة 11.54% للبطالة عام 2024، ما يضع لبنان في المرتبة الحادية عشرة بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفق تصنيف البنك الدولي. فيما تخوّفت منصةStatista من بلوغ معدل البطالة 13.67% هذا العام.
في غياب سياسات عامة تحمي حقوق الشباب وتؤمن فرص العمل وتدعم ريادة الأعمال، يكاد خيار الهجرة يصبح المنفذ المرّ الوحيد أمام جيل كامل.
*إعلامية مخضرمة وعضو مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية






