آخرهم نصرالله: موت المشاريع السياسية الكبرى بمقتل زعمائها (إيلي الحاج)

آخرهم نصرالله: موت المشاريع السياسية الكبرى بمقتل زعمائها

ماذا سيبقى من المشروع السياسي لـ”حزب الله” بعد غياب قائده الكاريزميّ، الأمين العام السابق حسن نصرالله، في ظروف شديدة القسوة؟ يبدو السؤال ملحّاً عندما يندرج في سياق محاولة لتبيان المسار المستقبلي المحتمل لهذا الحزب، بناءً على تجارب ومشابهة ومصائر قادة غابوا جميعاً – يا للمفارقة – بأسلوب عنيف أو غير طبيعي، وانطوت معهم أحلام تغيير متناقضة ومتعددة الاتجاهات.

​مفارقة أخرى ترقى إلى مستوى القاعدة، هي أن القادة الكبار في مرحلة ما بعد حرب 1975 نسجوا علاقات تجاوزت حدود لبنان. جميعهم حمّلوا الوطن مشاريع وتطلعات تفوق قدرته على التحمّل، وكانت لهم أدوار بالغة الأهمية في تغيير موازين القوى، كلٌّ في المرحلة التي عاشها وطبع بصمته فيها.

كمال جنبلاط: “المُعلّم” والمشروع المجهض

​”المُعلّم” كمال جنبلاط هو أول اللاعبين الكبار. اغتيل مشروعه السياسي وهو على قيد الحياة، عندما اقتحم حافظ الأسد المشهد بدباباته التي عبرت بوابة المصنع في 1976، قبل أن يغتاله جسدياً في آذار 1977.

​كانت فئات متنوعة من اللبنانيين، كبيرة نسبياً، تتململ وتسعى إلى ثورة على النظام كلٌّ لأسبابها؛ يسارية، وعروبية ناصرية وبعثية، وإسلامية. وضعها جميعها “المعلم” تحت عباءته الواسعة وقادها في ثورة مطالب وحقوق إصلاحية. بالكاد استطاع، مع المُنظِّرين الذين تحلَّقوا حوله وتظلّلوا بزعامته، وأبرزهم محسن إبراهيم وجورج حاوي، أن يوفِّق بين متناقضاتها في ما عُرف بـ”البرنامج المرحلي للأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية”. إلا أن حركة الظروف والأقدار كانت أسرع. بخلاف الشخصيات القيادية الأخرى التي شهد اللبنانيون صعودها ورحيلها المفجع، لم يرَ كمال جنبلاط شيئاً من مشروعه يتحقق في أيامه.

​مختصر المشروع داخلياً: سيطرة أطراف “الحركة الوطنية” على الدولة اللبنانية برئاسة جنبلاط وبالتحالف مع “منظمة التحرير الفلسطينية”. بالطبع، تحت شعارات إلغاء الطائفية السياسية، وبناء دولة اشتراكية علمانية تتبنى الإصلاح الجذري وتوزيع الثروة، وتتجاوز النمط التقليدي للزعامات الإقطاعية والطائفية. بالتبسيط، يمكن أيضاً النظر إلى المشروع من زاوية أنه عملية انتقال للسلطة من اليمين المسيحي الذي سُمّي انعزالياً خلال الحرب إلى الطرف الإسلامي العروبي-اليساري بقيادة كمال جنبلاط.

​على المستوى الخارجي: كان المشروع يتمثل في فتح الحدود اللبنانية الجنوبية للعمليات الفدائية الفلسطينية، وربط لبنان بما سُمّي لاحقاً “محور الصمود والتصدّي” والمعسكر الشرقي آنذاك.

​لفظ المشروع السياسي-العسكري أنفاسه الأخيرة بعد 5 أعوام عندما اجتاح جيش أرييل شارون لبنان حتى بيروت، وأخرج منها “منظمة التحرير الفلسطينية” في 1982. لم تشهد الجنبلاطية صراعاً على إرث “المعلّم” بفعل الضوابط الصارمة والتقاليد والعادات الخاصة بالطائفة. لكن الحزب بقيادة نجله وليد، تحوّل من تقدّمي اشتراكي جامع في تركيبته لشخصيات ومجموعات من كل لبنان، إلى حزب مدافع عن الطائفة وحدودها وحضورها ودورها. على هذا الأساس خاض الحرب والسياسة والسلم، ولا يزال. بعد 48 سنة على اغتيال كمال جنبلاط، أوقفت السلطات السورية الجديدة الرجل الذي أشرف على تنفيذ الجريمة، اللواء السوري إبراهيم الحويجي، ودعا الزعيم وليد جنبلاط إلى التوقف عن إحياء الذكرى السنوية، ما دام العدل قد أخذ مجراه.

موسى الصدر: “الإمام المغيَّب” وتجزُّؤ الإرث

​الشخصية الكاريزمية الثانية، حسب التسلسل الزمني، هي الإمام موسى الصدر الذي انقطعت أخباره في ليبيا عام 1978، أي بعد ثلاث سنوات من اندلاع حرب لبنان. كان قد نجح في عمل دؤوب خلال الستينيات والسبعينيات في تأسيس كيان سياسي-اجتماعي وازن للشيعة. وساهم أسلوب تغييبه وإبقاء مصيره معلَّقاً مدة طويلة في استمرار جزء من مشروعه السياسي في حالة “انتظار” روحي، لكنه لم يمنع “توريث” العمل السياسي وتوزُّع الإرث.

​بنى الإمام الصدر مشروعه لإنهاء التهميش التاريخي لطائفته ورفعها من أسفل السلم الاقتصادي والاجتماعي، على دعامتين: “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” مرجعية دينية لها، وحركة “أمل” مرجعية سياسية وعسكرية. وضع نصب عينيه دمج الشيعة مواطنين في الدولة اللبنانية. كما أيّد القضية الفلسطينية بقوة وتحالف مع الفلسطينيين، لكنه عارض انتشارهم وأعمالهم العابرة للحدود التي كانت ترتد سلباً على أبناء الجنوب. باختصار، أراد للشيعة حاضراً ومستقبلاً أفضل، وللبنان دولة منسجمة مع العالم العربي. ولم يوالِ ثورة الإمام الخميني. تغييبه المفاجئ في ليبيا ترك فراغاً قيادياً وعقيدياً. صحيح أن المشروع لم يمُت بتغييب صاحبه، لكنه تجزَّأ وتحوَّل ليصبح إرثاً مُتنازعاً عليه، بدايةً داخل حركة “أمل”، ولاحقاً بين الحركة بقيادة الرئيس نبيه بري وبين “حزب الله”، الذي أخذ عن الإمام الصدر عنوان رفع الحرمان عن الطائفة ودمجه في إطار مشروع “ولاية الفقيه” والبُعد الإقليمي الإيراني. هكذا قدَّم الحزب نفسه وارثاً لـ”مشروع المقاومة” الذي نادى به الإمام المغيَّب، لكنه فصَل نفسه عن “الإطار الوطني” الذي تمسَّك به الصدر، ليصبح قوة عابرة للحدود. وبمرور الزمن والحروب، طوَّع الحزب الحركة وتنافسا على كسب القاعدة نفسها استناداً إلى مصدرين أساسيين: “الحزب” من دفق إيراني مالي وعسكري وتقني، والحركة من حساب الدولة اللبنانية. تُضاف إلى هذين المصدرين أموال مغتربين دعموا مشروع نهوض الطائفة وأصيبت غالبيتهم بنكسة نتيجة الانهيار المالي.

​بعد “حرب إسناد غزة” عادت أسهم رئيس حركة “أمل” نبيه بري إلى الصعود داخلياً وعربياً ودولياً في مقابل هبوط وزن “الحزب”، فيما “الثنائي الشيعي” يواجه مجتمِعاً أقسى أزمة عرفتها الطائفة في التاريخ الحديث بفعل تراكم نتائج الحرب وأيضاً سياسات عزلت الحركة والحزب عن العرب وعن بقية فئات المجتمع اللبناني، وحاصرتهما سياسياً في موقع صعب. صار التعامل معهما – بخلاف ما أراده الإمام الصدر للشيعة – باعتبارهما السلطة صاحبة القرار التي حكمت بمزيج من الرعونة والجشع والأوهام الغيبية وقلة التبصُّر والتحالفات الخارجية، أوصلت لبنان إلى دمار شامل.

​بعد 47 عاماً على تغييب الإمام الصدر، يمكن القول براحة ضمير إن مشروعه غُيِّب معه. وحتى الاهتمام بمصيره الشخصي تراجع إلى درجة عدم الاكتراث لمضمون تقرير “بي بي سي-عربي” الصادم عن احتمال وجود جثمانه محفوظاً داخل ثلاجة في ليبيا، والاكتفاء برمي نجل القذافي هانيبال عشر سنوات وأكثر في السجن انتقاماً، من دون تهمة ولا محاكمة.

بشير الجميّل: “الرئيس الشهيد” والعهد القصير

​الشخصية الكاريزماتية الثالثة التي غابت عنفياً هي الرئيس بشير الجميّل. كان صعوده الأشد ضجيجاً والأقصر عمراً، فلم يُتَح التعرف عليه رئيساً للجمهورية إلا بالتلمُّس خلال 21 يوماً، وهي المدة الفاصلة بين انتخابه واغتياله في 1982.

​يمكن اختصار مشروعه السياسي بلبنان دولة على النمط الغربي، لا مكان فيها للفساد، وخارج النفوذ السوري. مع أرجحية في القرار للمسيحيين بحكم وجوده على رأس الدولة، ولكن مع مراعاة بحساسية عالية للمسلمين من ضمن التوجه العام الذي رسمه في خطاباته الأخيرة، وأساسه أن لبنان لجميع أبنائه على قدم المساواة، وأن المسيحيين فيه لن يعودوا مرة أخرى عرضة لتهجيرهم في بلادهم ودفعهم إلى الهجرة منها والتخلي عن دورهم في الدولة. أما في السياسة الخارجية فكان بشير الجميّل ذاهباً بوضوح، على غرار مصر، إلى سلام مع دولة إسرائيل التي أنقذت طائفته من مصير الدامور والعيشية وسواهما في مرحلة مغالاة التنظيمات الفلسطينية، إلى درجة إطلاق “أبو إياد” عبارة “الطريق إلى فلسطين تمرّ في جونية”. عبارة حفرت عميقاً في وجدان المسيحيين الذين تحوّلوا بغالبيتهم مناصرين لـ”الجبهة اللبنانية” ونجمها القائد الشاب الذي أزال لاحقاً جميع منافسيه من أمام صعوده.

​باغتيال بشير الجميّل، ضُرب الركن الأساس في مشروعه السياسي، وبان بوضوح أنه قائم إلى حد بعيد على شخصيته التي لا تهاب التحدي والمجازفة والأثمان الباهظة. انتقلت الرئاسة والقيادة إلى شقيقه أمين الذي لم يكن من فريقه وتوجهاته وطريقة تفكيره وأسلوبه في اتخاذ القرار. بالتزامن، تعرَّض عهده لضغوط ضخمة من الخارج بقيادة محور واسع سوفياتي-سوري-إيراني، وداخلياً من الفريق المتحالف مع ذلك المحور، كما من الذين نازعوه على إرث بشير السياسي والشعبي في الكتائب و”القوات”، ولاحقاً “التيار العوني”، الذي مارس من خلاله الجنرال ميشال عون سياسة مناقضة كلياً لنهج بشير، قائمة على الوصول إلى السلطة بأي وسيلة، بعدما أسقط في السنوات الأخيرة من الحرب “فيدرالية أمر واقع” كان فرضها بشير الجميّل وعزَّزها سمير جعجع بين 1985-1990، إذ خيَّر ميشال عون المسيحيين بين الدولة و”الدويلة”، الشرعية أو السلاح غير الشرعي، فاختار معظمهم الدولة والسلاح الشرعي.

​وبعد حربي 1989-1990 الفاشلتين، فضلاً عن “حروب أهلية” سابقة بين رفاق السلاح في “القوات” والكتائب، لم يتبقَّ من مشروع بشير سوى مبادئ عامة يستشعرها من أيَّدوا مشروعه المزدوج للبنان والمسيحيين فيه، أو لأحد شِقَّي المشروع الذي لم تتضح معالمه تماماً. إلّا أن اسم الرجل وصورته لا يزالان يثيران العواطف في بيئته السياسية ويستخدمان في المناسبات الحزبية والانتخابية لشحذ الهمم وكسب الأصوات.

رفيق الحريري: “الرئيس الشهيد” ومشروع السلام والإعمار

​على نقيض من سبقوه في الغياب العنيف، حضرت الشخصية الكاريزماتية الرابعة، الرئيس رفيق الحريري، إلى عالم السياسة اللبنانية بقوة السلام. كان مهندس “وثيقة الوفاق الوطني- الطائف” وممثل إرادة دولية-عربية في إنهاء حروب لبنان الطويلة وإعادة إعماره. لكن دخوله حلبة السياسة اصطدم بواقع تلزيم تطبيق اتفاق الطائف إلى سوريا بقيادة الرئيس حافظ الأسد الذي كان في عز مجده. وحملت الواقعية السياسية رفيق الحريري على مجاراة التيار لقاء إطلاق يده في ورشة الإعمار. فكانت مسيرته أليمة مع “وكلاء نظام الأسد” في لبنان آنذاك، الذين تفنَّنوا في وسائل ابتزازه في الصغيرة والكبيرة، وأرهقوه في السياسة والشارع، ولا سيما الركن الثاني في الدولة رئيس حركة “أمل” نبيه بري، وحليفه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي كان يتعامل معه “على القطعة”.

​أما “حزب الله” فانصرف، مدعوماً من إيران وسوريا، إلى بناء أنفاق حرب يُحتمَل على الدوام أن يندفع إليها في أي وقت، في موازاة اندفاع الحريري إلى بناء أنفاق السلام وجسوره وطرق التواصل الواسع والسريع بين اللبنانيين وإنشاء المباني والمؤسسات وترميم الدولة، على أمل ربيع سلام للمنطقة منتصف التسعينيات كما كان يتوقع. بعد ذلك، أخذ مشروعه الإعماري يتعثر ومشروعه السياسي المرتكِز على “اتفاق الطائف” يصطدم يومياً بإرادة الغلَبة لفريق على فريق في غياب مسيحيين ذوي تمثيل قوي يساندونه، واصطدم بمطبَّات جشع بلا حدود خففت زخمه، لتبدأ من 1998 جلجلته مع انتخاب إميل لحود رئيساً للجمهورية وخلفه بشار الأسد وفريقه في دمشق وبيروت.

​كان رفيق الحريري يبني ويُعلِّم ويكرِّس ثقافة الانفتاح، و”حزب الله” يشعل حروباً ويُعلي من قدر العصبية المذهبية. نموذجان متناقضان تماماً انتهى نزاعهما بنسف موكب “الرئيس الشهيد” ذات 14 شباط 2005. وصار رمزاً ليس لسُنَّة لبنان فحسب -وقد رأوا فيه قائداً محبوباً كريم النفس يعتزون به ويرفع دورهم ومكانتهم في إدارة لبنان- بل أيضاً لجمهور كبير متنوع من اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين ودروزاً، التقوا في 14 آذار وشَتَّتَتْهم الحسابات والمصالح الحزبية لاحقاً، غير أنهم لا يزالون -لو اجتمعوا- القوة الشعبية والسياسية الأكبر في لبنان.

​قام مشروع رفيق الحريري بالتقاء سعودي، خليجي عموماً، وغربي فرنسي، لا سيّما بوجود صديقه الرئيس جاك شيراك في الرئاسة، على النهوض بلبنان القائم على التعايش بين فئاته كافة والاقتصاد القوي الجاذب والموحِّد لأبنائه، وأيضاً جذب الاستثمارات للمشاركة في مشاريع الإنشاءات والتطلعات الضخمة. سقط هذا المشروع ليس فقط باغتيال حامله الرئيس الشهيد، بل أيضاً بضربات ارتدادية على نجله الرئيس سعد الحريري وتياره “المستقبل” ومؤسساته تباعاً، وانقلاب المعادلة رأساً على عقب، مما أدّى إلى خروجهما من حقل العمل السياسي -حتى اليوم- لتبقى “الحريرية” قوة كامنة في النفوس وقوة انتخابية قادرة، لو سمحت الأوضاع اليوم، على إيصال 18 نائباً تقريباً إلى برلمان 2026. يعني ذلك أن “الحريرية” باقية بالرغم من غياب الرمز ووارثه. وأنها إرث عاطفي ماثل، أما المشروع السياسي فأمر آخر.

حسن نصرالله: مشروع “الولي الفقيه” ومستقبل الحزب

​الشخصية الكاريزماتية الخامسة التي غابت اغتيالاً، السيد حسن نصرالله، يختلف عمّن سبقوه بأنه ليس المؤسس في تنظيمه، ثمّ بأنه لم يحمل مشروعاً خاصاً به يختمه باسمه. منذ بدايته، حدَّد نطاقه بأنه جندي في خدمة مشروع “الثورة الإسلامية” في إيران. يمكن الحديث تالياً عن المشروع السياسي لـ”حزب الله” في لبنان وليس لنصرالله، من دون الوقوع في مغالطة أن غيابه لم يهزّ هذا المشروع في العمق، لا بل شكَّل نصف أسباب هزيمة الحزب في “حرب إسناد غزة”. النصف الآخر يعود إلى التفوق الإسرائيلي العسكري والتقني والاختراقات وسواها.

​ويمكن توقع أن لا شيء ولا أحد سيستطيع أن يخفف على المفجوعين باغتيال نصرالله وقع غيابه، ويحملهم على فك الحداد العاطفي والسياسي عليه بمرور زمن قريب.

يمكن القول مجازاً إن ذكرى عاشوراء، ولمدة طويلة، ستمرّ بهم مرتين في السنة، إحداهما في 27 أيلول. وإنهم ما زالوا في حال إنكار لما حدث، خصوصاً أن طَبْع شهدائهم ومن عاونوه نجحوا في إدخال عبادة القائد إلى أعماق الحزبيين وبيئاتهم العائلية والمناطقية بموهبته الخطابية وشخصيته الاستثنائية في نظر من أحبوه ووالوه وصدَّقوا كل كلمة قالها من دون إمرارها بالعقل والمنطق والنقد.

​إلا أن النتيجة العملية كانت كارثية على هذه البيئة في شكل خاص. تصديقها أن العدو إسرائيل أوهى من خيوط العنكبوت، على سبيل المثال، وأنها لا تجرؤ على استفزاز “حزب الله” لأنه قادر على تدميرها في 7 دقائق، وتحرير الجليل ثم القدس وبقية فلسطين، كان أقصر طريق إلى الهزيمة المهولة.

​ما هو مستقبل المشروع السياسي لهذه الجماعة في لبنان بعد اغتيال نصرالله، وموافقة قيادة الحزب على أغرب اتفاق استسلام في تاريخ الحروب: منح العدو الحق في ضرب أي منشآت واغتيال أي كادر أو عنصر في الحزب من دون أن يكون العدو قد خرق وقف النار، بينما لا يحق للحزب في المقابل بأي رد تحت طائلة اعتباره مبادراً إلى خرق الاتفاق؟

​الجواب في صياح أنصار الحزب “هيهات منّا الذلّة”، مستعيدين صورة نصرالله وخليفته على صخرة الروشة وفي القلوب. هكذا على المدى المنظور، لم يعد أمام من تبقى من قيادة الحزب سوى الإنكباب على محاولة طمأنة الناس الذين فقدوا أبناءهم وقراهم وأرزاقهم إلى أن الفرج آتٍ وعليهم التمسك بالصبر. وفي السياسة، يُحضِّرون لتأكيد استمرار تفرُّدهم في قيادة الطائفة مع حليفتهم حركة “أمل” برئاسة نبيه بري من خلال انتخابات مجلس النواب المقبل، 27 على 27، على غرار ما فعلوا في الانتخابات البلدية.

​لكن المستقبل لا يبدو مشرقاً حتى لو نجحوا في إمرار الاستحقاق النيابي، فسيكون عليهم تقديم المزيد من “التنازلات” كل يوم إلى الدولة اللبنانية، التي ما كانوا يقيمون لوجودها حساباً، تحت وطأة الضغط الإسرائيلي والدولي، متخلِّين تدريجاً عن مخازن أخرى للأسلحة والذخائر والأنفاق المخبوءة، على أمل تزداد صعوبة تحققه بمرور الزمن في وصول دعم مالي وعسكري من إيران، في ظل معجزة سياسية مستحيلة عملياً ومن خارج صندوق التوقعات، تتمثل في اتفاق يهبط من السماء بين إدارة ترامب وقيادة الخامنئي، بما يتيح للحزب ترميم قدراته العسكرية والتعافي فعلياً وليس كلامياُ كما يحصل.

​بغير ذلك، سيكون “حزب الله” على المدى المتوسط والبعيد عرضة لخلافات ونزاعات داخلية أقوى من قدرات الأمين العام نعيم قاسم الضعيفة، تماماً كما حصل قبله في حركة “أمل” وحزبي الكتائب و”القوات”. ويزيد الصورة قتامة أن إيران تعيش هي أيضاً أسوأ أوضاعها، ويبدو ما بقي من عمر نظامها ومرشدها قصيراً.

​بناءً على كل ما سبق، الجواب هو نعم:

آخرهم نصرالله: موت المشاريع السياسية الكبرى بمقتل زعمائها