دولة الحق (سعيد غريّب)


 
“L’Etat de Droit” لا يعني دولة القانون بشكل مطلق، كما درجت تسميتها على ألسنة سياسيين كبار وحتى حقوقيين كبار، بل هو تعبير يعني دولة الحق. والفارق بين المصطلحين يتخطى الترجمة الحرفية للكلمة ليصل الى جوهر الفكرة نفسها، حيث يعكس تعبير “دولة الحق” المنتهى الذي تطمح له الدولة ، فيما تعكس “دولة القانون” صورة الحكم والحكام الذين يسنّون التشريعات ويعملون بها سواءٌ في ايجابياتها أو في سلبياتها.
فدولة القانون يمكن أن تكون دولة ظالمة أو مستبدّة، كما يمكن أن تكون دولة رؤيويّة صالحةً وراعيةً لشعبها. تكون ظالمة أو مستبدّة إذا كان واضع قوانينها ظالماً أو مستبدّاً، يكتب القوانين كما يحلو له ليطبّقها على هواه، والامثلة التاريخية كثيرة ، فهكذا فعل موسوليني وكذلك هيتلر وقادة طالبان وغيرهم من الذين طبّقوا قوانينهم المجحفة. وتكون صالحة إذا كان واضع قوانينها أو من أسهم في صوغها صالحاً وعادلاً وهكذا فعل شارل ديغول حين اقام الجمهوريةّ الخامسة. من هنا فإنّ دولة الحق تنطلق من احترام الدستور كمرجع لاحترام حقوق الانسان وحفظ حقوق المواطن.  فتصاغ فيها قوانين عادلة ، تساوي بين المواطنين جميعاً أمام القانون. هي دولةٌ تقوم على فصل السلطات وصولاً إلى ترسيخ قضاءٍ مستقلٍّ ونزيه، يمنع الاستبداد ويكون مرآة للعدالة والشفافية .
إنّ اقامة دولة الحق يتطلّب اليوم ترسيخ الممارسات السياسية على اسسٍ وطنيّةٍ متينةٍ وقوانين عادلة وإلى تفعيل دور المواطنين افراداً وجماعات. فدولة الحق يأتي ممثّلو شعبها إلى البرلمان بالاختيار الحقيقي، وليس بمجرّد التصويت القائم على مجرد التبعية. دولة الحق هي التي تأتي بها الأكثريّة الصامتة والواعية بمختلف الوسائل، فتنقل البلاد من مرحلة التخلّف إلى مرحلة التقدّم. ولا تكون مجرّد دولةٍ يرث فيها الأبناء والأشقّاء والأصهرة المناصب والزعامات بدساتير الآباء وقوانينهم.
دولة الحق تحتاج إلى حكمٍ هو الناجح الأوّل، والقادر الأوّل،والذكي الأوّل، والنشيط الأوّل. دولة الحقّ في حاجةٍ إلى حكم يسبق الناس في مباشرة الحكم. دولة الحقّ في حاجةٍ الى  حكمٍ سريع سرعة العصر إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية كلّ ست سنوات من دون أيّ تردّد أو تسجيل سابقة تصبح سوابق وتواريخ.
إنّ شباب لبنان الواعي لن يسألوا بعد اليوم عن كيفيّة بناء دولة بل عن ضرورة وجودها بالوسائل القانونية والمنطقيّة والضروريّة، فهم بحاجةٍ إلى جيشها ودركها وشرطتها وموظّفيها. هم لا يريدون بالتأكيد فاشلين يستمدّون وجودهم أو قوّتهم من طوائفهم ، ولا أن يكونوا كميّةً من الضحايا أو مجموعةً من القتلة. وهم يريدون دولة ديموقراطية تبنى بمزيدٍ من الممارسة الديموقراطية بل بممارسة الديموقراطيّة بمزيدٍ من الوعي والمعرفة وسعة الاطلاع. إنّ شعباً أسهم في صناعة عصر النهضة وصدّر أروع شبابها إلى العالم لن يتراجع ولن يستسلم وسيكون نداؤه على هذا المستوى إلى العالم الكبير المتراجع والمستسلم.
هؤلاء الشباب مرتاحون اليوم أكثر من أيّ يوم مضى، لأنّ الأحزاب والتيّارات غير مرتاحة. وهم ويستمدّون قوتهم من فراغ بدأ يكبر ليملأوه هم بعلمهم وثقافتهم ووعيهم، هذا الفراغ الذي أحدثته الأحزاب والتيّارات بفعل القصور في الرؤية والخفّة المثبتة في معالجتهم  شؤون الوطن. إنّ شباب لبنان ما يزالون مؤمنين بأنّ دولة الحق آتية على رغم كل الصعوبات، وبأنّ الحرام سيرحل ومعه أهله ، وإنّ التربية في لبنان لن تكون سوى بين أيادٍ بيضاء تسلّم الأجيال الصاعدة شهاداتٍ ناصعة وتعيد المستوى إلى ما كان عليه زمن آبائهم والأجداد. شباب لبنان مرتاحون لأنّهم على حق في وطن سيعمل لتحقيق شعار دولة الحق.