. لا يكف إدمون قبشي عن إرتكاب ” إثم” المغامرة. يبادر ويبادر، ينفق وينفق، يبني ويبني ولا يتعب. يستولد من تقادم السن شبابا يتدفق. من فنزويلا التي خط فيها حكاية نجاحه في كل المجالات عاد إلى وطن الارز مستثمرا بحب ، فرصع تاج بيروت بدرة ” لوغراي”، الفندق الذي فتح ذراعيه مستويا بين تمثال الشهداء وبوابة الأسواق حيث تتعانق قباب الكنائس ومآذن المساجد لتجسد عظمة التلاقي الروحي عاكسه صورة التنوع اللبناني، باناقة معمارية جاذبة. أراد قبشي أن يكون هذا الفندق مظلة يفيء إليها السياح ورجال الأعمال في صالاته الرحبة، ومطاعمه المميزة، ومقاهيه الراقية يرتادها المثقفون والذواقة، من دون أن يحسب حسابا لغدرات الزمان. وجاءت أحداث تشرين المسماة ثورة، وما تلاها من كوارث مالية وصحية( جائحة الكورونا) لتسدد إلى هذا المعلم السياحي طعنة نجلاء،فشوهت وحطمت وامعنت في العنف، ما دفعت إلى إغلاق أبوابه. ثم توالت التطورات فالبسته حلة الكآبة. كانت خسارة الرجل الاهدني جار الارز كبيرة لا في المادة وهي جنى العمر والعرق المتصبب من ناصع الجبين، بل في الرهان على وطن اراده أن يثب من رماده كطائر الفينيق. لكنه لم يستسلم، لم يرفع الاعلام البيض، لأن لديه من الإيمان ما ينقل الجبال من مواضعها.قرر أن يعيد المغامرة رافضا كل النصائح التي اسديت اليه بالحذر في بلد لا ثابت فيه إلا المتحول. إنه من أحفاد أولئك الذين روضوا المستحيل، وواجهوا عبوس القدر بإرادة الحياة. يعيد إدمون قبشي فندق ” لوغراي” أحلى مما كان، منارة تشع وسط العاصمة، ينبعث نورها لينشر الأمل والفرح متفائلا بطالع الايام، لأن من يؤمن بربه ولبنانه لا يدركه اليأس ابدا ولن يدركه. جلنا مع الصحافيين الإعلاميين في ردهات هذا الفندق وغرفه المريحة والفخمة والمؤثثة بذوق رفيع ، وعادت بنا الذاكرة إلى مغامرين لبنانيين حملوا معهم المال وآلامال ، وحطوا بعد طول طواف وترحال في الوطن الذي غادروه عزلا الا من طموحهم، وعلى لسانهم نداء إيليا ابو ماضي:” وطن النجوم انا هنا/ حدق أتعرف من أنا؟”. مغامرة مكررة يخوضها إدمون قبشي ليس بسبب طبيعته المغامرة التي كانت وراء نجاحاته في دنيا الانتشار، بل لادمانه على حب لبنان والوفاء له : لا يتردد عن خوض الرهان، ولا الاقدام…. وها فندق ” لو غراي” في ولادته الجديدة يشهد لرجل قرر الذهاب بعيدا في إعادة البسمة إلى وجه عاصمته.
*نقيب محرري الصحافة اللبنانية






