قراءات الأحد.. مجيءُ ابنِ الإنسان


الإنجيل بحسب القديس متى
متى ٢٣/٢٤-٣١

مجيءُ ابنِ الإنسان
“ها إنِّي قد أَنْبأتُكم، فإن قيلَ لكم: ها هوذا في البرّية، فلا تَخرُجوا إليها، أو ها هُوَذا في المخابئ، فلا تُصَدِّقوا. وكما أَنَّ البَرقَ يَخْرُجُ مِنَ المَشْرِق وَيَلمَعُ حَتَّى المغرِب، فكذلك يكون مجيء ابن الإنسان. وحيثُ تَكونُ الجِيفةُ تَتَجَمَّعُ النّسور. وعلى أثر الشِّدَّةِ في تِلكَ الأَيَّام، تُظلِمُ الشَّمس، والقَمَرُ لا يُرْسِلُ ضَوءَه، وتَتَساقَطُ النُّجُومُ مِنَ السَّماء، وتَتَزَعَزَعُ قُوَّاتُ السَّمَوات. وتَظْهَرُ عِندَئِذٍ فِي السَّمَاءِ آيةُ ابن الإنسان. فتَنتَحِب جميع قبائل الأرض، وترى ابن الإنسان آتياً على غمام السَّماء في تمام العِزَّةِ والجَلال.
ويُرْسِلُ مَلائِكَتَه ومَعَهُمُ البُوقُ الكبير، فَيَجْمَعُونَ الَّذِينَ اختارهم من جهات الرّياح الأربع، مِن أَطرافِ السَّمَواتِ إلى أطرافها الأخرى.

يا رب، يتجنّب العديد من المسيحيّين قراءة هذا المقطع من إنجيلك، يقولون: “إنّه مخيف” وآخرون، حُبّاً بالتّظاهر أنّهم على اطِّلاع بكلِّ جديد، ويواكبون العصر، (ولا يقولون إلّا ما يُرضي) يدّعون أنّ هذا المقطع هو ذو أسلوب مجازي ولغة رمزية. فَلْيقولوا ما يريدون، أمّا أنا، فلديّ اليقين بأنّ كلمتك هي الحَق، وأنّك لا تتكلّم رغبة في أن تفاجئ أو تخيف، بل لِتَجعَلنا نُدرِكُ حقيقة وضعنا البشري، كعابرين في طريقنا إلى الأبدية.
كم من معلّمين روحيّين زعزعوا الإيمان بك!
إنَّهم كُثُر!
وكلٌّ على طريقته يشرح تكوين العالم ونهايته.
لا يوجد أي ترابط في خطاب أيّ منهم، يُناقِضون بعضَهم البعض.
ونظرًا لِما تَجني بِدَعُهم من ثمارٍ أحجُبُ وجهي خجلاً : “كيف يتوصَّل إنسانٌ عاقِل، إلى هذا المستوى السّخيف من الضّلال والتّيه ؟”
معك أسيرُ، وكُلِّي ثقة وسكينة وصفاء، لأنِّي أعلَم أنّ عندكَ كلام الحياة الأبدية، وتؤهّلنا لهذه الحياة. العالم سيزول يوماً، لأنَّ مَصيرَهُ الزّوال.
متى سَيكونُ ذلك؟ ما من أحدٍ يعلم.
لِحُسنِ الحَظ، أنّك لم تُحدّد ذلك اليوم، وتلكَ السّاعة وإلا قُضِيَ علينا من الخوف والقلق.
إنّك تُطلِعُنا على الحَدث بحكمتك، من دونِ أن تُرضي فُضولنا، وتُعلِمُنا بأنّك ستعود.
هذا أمرٌ ثابت، نُنشِدُه في ليتورجيّة الكنيسة الكاثوليكية الإثنين والعشرين، وفي ليتورجيّة الكنائس الأرثوذكسية: “ننتظر عودتك في المجد” .
إنَّ ما يُطلَب منّي، هو أن أكونَ على استعدادٍ تام، وألّا أخاف.
وَبِمُطلَق الأحوال، نهاية العالم بالنّسبة إليّ، هي يوم انتقالي إليك.
كم من الأشخاص، قَضَوا في ظروفٍ مُروّعة: فيضانات، هزّات أرضية، حروب، أوبئة …
تهيّأ البعضُ لهذا الانتقال بالمُصالحة الكاملة مع ذواتِهِم ومعك… قرعوا صدورهم ندامة، أَسَرُّوا عَبْرَ نظرتهم الأخيرة، إلى من حولِهِم، بأنّ جوهر الحياة هو أن نعيشَ على هذه الأرض، بِصَداقةٍ ومودّة معك، وبعد الرّقاد الأخير، في خلودِ محبّتك.
لِنُصَلِّ:
يا سيِّدي ومُعَلِّمي، لن أبحثَ عنكَ في الظّواهر الكونيّة الخارقة بل سأعيشُ على غِرار المُتصوِّفين، يُواكِبون زمن هذا العالم، ويخيَّل إلينا في الوقت نفسه، أنّهم على عتبةِ الحياة الأبدية، الّتي هي حاضر الله، السّماء والأرض تزولان وكلامك لا يزول.
وما لا شكّ فيه، أنَّ ما سأنقُلُه معي، لا المال الذي ادَّخَرته، ولا الأغراض التي اختَزَنتُها، ولا القصائد الّتي أنشَدتُها، بل كَلمتك الّتي منحتني الحياة على هذه الأرض، وتستمرّ في إنعاشي حتى في الأبديّة.
تأمّلات روحيّة من كتاب الإنجيل في صلاة للأب منصور لبكي.