أعلن رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل عن تقديم اقتراح تعديل دستوري يهدف إلى إدخال مبدأ “الحياد” في مقدمة الدستور اللبناني.
وفي مؤتمرٍ صحافي عقده في المجلس النيابي، بحضور عدد من النواب الذين وقّعوا على الاقتراح، أكّد الجميّل أنّه “بعد عشرات السنين من النقاش حول هذا الموضوع، ومع شغف جزءٍ كبير من اللبنانيين بالعيش بأمانٍ وسلام، آن الأوان لتلبية مطلبٍ قديم بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، حفاظًا على استقراره وتجنيبه دفع أثمان صراعات الآخرين كما جرت العادة في تاريخنا الحديث”.
وقال الجميّل: “بعدما انتظرنا اللحظة المناسبة للقيام بهذه الخطوة، وبعد فتح صفحة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية، أصبح من الضروري تزويد السلطتين التشريعية والتنفيذية بكل العُدّة اللازمة لحماية لبنان وتأمين استقراره. وبناءً على كل التطورات، نعلن اليوم تقديم اقتراح تعديل دستوري لإدخال الحياد في مقدمة الدستور اللبناني، عبر إضافة الجملة الآتية:
«لبنان دولة حيادية تلتزم مبدأ الحياد في جميع الصراعات الإقليمية والدولية، من دون أن يتعارض ذلك مع حقها المشروع في الدفاع عن سيادتها وأرضها، ومع التزاماتها بالشرعية الدولية والقانون الدولي والإنساني».
وبذلك، يصبح واجبًا على جميع اللبنانيين الالتزام بمبدأ الحياد. وهذا الحياد لا يعني التخلي عن حقنا في الدفاع عن بلدنا، بل على العكس، فكل الدول الحيادية – وسويسرا على سبيل المثال – تمتلك جيوشًا دفاعية قوية ومجهزة ومحصّنة لحماية نفسها”.
وشدّد الجميّل على أن “الحياد سيعزّز الوحدة الداخلية، إذ لن يكون أيّ طرفٍ قادرًا بعد اليوم على الانخراط في محاور أو فرض تحالفات عسكرية على بقية اللبنانيين، ما يسهم في تحصين السلم الأهلي والوحدة الوطنية”. وأضاف: “الحياد لا يعني انسحاب لبنان من الساحة الدولية، بل على العكس، سيبقى عضوًا فاعلًا في الأمم المتحدة والجامعة العربية، وسيواصل الدفاع عن قضايا الحق في وجه الظلم، من دون أن ينخرط في أيّ صراعٍ عسكري إلى جانب أيّ طرفٍ كان في المستقبل”.
واعتبر الجميّل أن “الحياد يصبّ في مصلحة جميع اللبنانيين، وهو ليس طرحًا فئويًا أو موجّهًا لفئةٍ محددة، بل مشروعٌ وطنيّ شامل يحمي كل اللبنانيين، ويؤمّن للبنان الاستقرار والازدهار”. وتمنّى على جميع الزملاء في المجلس النيابي “الوقوف إلى جانب هذا الاقتراح، وأن يتبنّاه كلٌّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وسائر الكتل النيابية للمساعدة في إقراره”.
وفي ختام كلمته، شكر رئيس حزب الكتائب النواب العشرة الذين وقّعوا على الاقتراح، مثنيًا على تجاوبهم مع هذه المبادرة.
وردًا على سؤال، جدّد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل تأكيده أنّ “حياد لبنان لا يعني التخلّي عن حقّنا في الدفاع عن أنفسنا، فالدول الحيادية هي دول قوية قادرة على حماية نفسها وتعمل لتحقيق ذلك”. وأضاف: “اليوم هناك صراع عربي–إيراني، وصراع أميركي–صيني، وصراع روسي–أوكراني، وستبقى الصراعات قائمة في العالم، لكن مشكلتنا كلبنانيين أنّنا نتدخّل في نزاعات لا علاقة لنا بها، كما حصل في الحرب السورية، حين انقسم اللبنانيون بين مؤيد للنظام وآخر للمعارضة”.
وتابع الجميّل: “لقد شهدت المنطقة العديد من الصراعات، ونحن من دفع الثمن في كل مرة. لذلك، يأتي هذا التعديل الدستوري ليمنع أيّ لبناني من المشاركة في أيّ صراع لا علاقة له بالدفاع عن لبنان، كما يمنع الدولة اللبنانية من الانحياز أو أخذ طرف في أيّ نزاع عسكري داخل المنطقة”.
وفي ما يتعلّق بالآليات اللازمة لإقرار التعديل، قال الجميّل: “نحن نضع اليوم حجر الأساس. هذا القانون بات رسميًا وموجودًا داخل المؤسسات، وعندما تتوافر النيّة السياسية للسير بهذا الاتجاه، تكون العدّة جاهزة. لكننا لا نستطيع وحدنا تحقيق ذلك، بل نحتاج إلى جهد مشترك من كل الكتل النيابية، ومن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وجميع الوزراء، لأنّ هذا القانون ليس عاديًا بل هو مشروع وطني يتطلّب نقاشًا واسعًا. البداية كانت بتقديمه، وسنتوجّه إلى الكتل والرؤساء من أجل الدفع باتجاه إقراره.”
وأضاف: “لا حياد، ولا دولة، في ظلّ وجود ميليشيات وسلاحٍ غير شرعي. فمن المؤكّد أنه بوجود هذا السلاح لا يمكن تطبيق الحياد ولا بناء دولة. وبالتالي، طالما نحن نسير في اتجاه حصرية السلاح بيد الدولة، علينا أن نواكب هذا المسار بتحييد لبنان لتحصين البلد وحمايته بشكلٍ كامل.”
وتابع الجميّل: “الحياد هو حصانة إضافية لعدم الانجرار إلى مغامرات في المستقبل. فنتيجة غياب الحياد، نفّذت بعض الأحزاب اللبنانية أجنداتٍ خارجية وجرّت لبنان إلى حروب لا مصلحة له فيها، سواء عبر القتال في سوريا أو التدخّل في غزة. لذلك، نحن بحاجة إلى التأكيد أن لبنان والشعب اللبناني أولاً، وحان الوقت لاستخلاص العِبر من الصراعات الطويلة وبناء دولتنا اقتصاديًا واجتماعيًا لإعادة إعمار بلدنا كما نريد.”
ولفت إلى أنّ “الحياد المقصود هو تجاه الصراعات التي لا علاقة لها بلبنان، أما ما يتعلّق بالدفاع عن أرضنا وسيادتنا فهو واجبٌ وحقّ لا نقاش فيه.”
وأوضح الجميّل أنّ “ما يحصل اليوم بين لبنان وإسرائيل لا علاقة له بالحياد، بل هو دفاعٌ مشروع عن النفس، إلا أنّ السبب الأساس في جرّ الإسرائيلي إلى الاعتداء على اللبنانيين كان تدخّلنا في حرب لا دخل لنا بها. ومن هنا، يأتي مبدأ الحياد ليمنع أيّ طرف لبناني من التورّط في مثل هذه الصراعات.”
وختم مشيرًا إلى أنّ “الحياد لا يعني الصمت تجاه المظالم، فالدولة اللبنانية يمكنها أن تتّخذ موقفًا سياسيًا واضحًا يرفض أي انتهاك لحقوق الإنسان يتعرّض له الفلسطينيون، لكن من دون الدخول في أيّ صراعٍ عسكري، وهذا ما تؤكّده المواثيق الدولية التي ترعى مفهوم الحياد.”
ريفي: انتهى عصر استخدام لبنان كأكياس رمل
قال النائب أشرف ريفي إنّ الحياد هو مطلب للبنانيين المخلصين الذين تعبوا من المساومات والوصايات، مضيفاً أنّ اللبنانيين يريدون أن يُسدلوا الستار على مرحلةٍ دفعوا فيها أثماناً باهظة نتيجة استضعاف بلدهم وتحويله إلى صندوق بريد لصراعات الآخرين.
وأضاف:
نقولها بالفم الملآن: انتهى عصر استخدامنا كأكياس رمل. من حقّ لبنان أن يكون دولةً طبيعية يعيش فيها أبناؤه بسلامٍ وأمان، دولة تُدار بمؤسساتٍ شرعية لا بأوامر الخارج.
وأكد ريفي أن الحياد المطلوب هو حياد الموقف الوطني المسؤول، لا حياد الضعيف أو المتفرّج، بل الحياد الذي يعبّر عن دولةٍ تسعى للحياة والازدهار لا للموت والانهيار.
ودعا جميع النواب إلى التصويت على الاقتراح، موجهاً كلامه أيضاً إلى اللبنانيين في الداخل والاغتراب ليدعموا هذه الخطوة الوطنية الكبرى التي من شأنها أن تعيد إلى لبنان وجهه الحضاري ورسالته في العيش المشترك وحضوره العربي والدولي.
شمعون: الحياد ضرورةٌ وطنية تعيد لبنان إلى دوره الطبيعي
من جهته، قال النائب كميل شمعون:حيادلا لبنان كان دائماً ضرورةً وطنية واستحضر في هذه المناسبة عهد العزّ الذي شهده لبنان في أيام الرئيس كميل شمعون، الذي تبنّى فكرة الحياد وسعى لجعل لبنان همزة وصل بين الشرق والغرب، وهي الميزة التي كانت سبب ازدهاره.
وأشار إلى أن المحاور الخارجية هي التي خرّبت البلد ودفعت أبناءه إلى التقاتل في ما بينهم، مؤكداً أن الحياد اليوم ليس خياراً سياسياً فحسب بل ضرورةٌ وطنية ملحّة. وختم بالقول: نأمل أن يلقى هذا التوجّه تجاوباً داخلياً وخارجياً، لأن خلاص لبنان يبدأ من استعادته دوره الطبيعي.
عبد المسيح: الحياد مبدأ دستوري يعيد الاستقرار والاقتصاد
بدوره، شدّد النائب أديب عبد المسيح على أن مبدأ الحياد منصوص عليه في الدستور اللبناني، لكنه غير مفسَّر أو مطبّق. وقال: المهمة الأساسية لأي مسؤول في الدولة، من رئيس الجمهورية إلى أصغر جندي، هي حماية لبنان وأرضه. جربنا عبر السنين وسائل شرعية وغير شرعية لتحقيق ذلك، لكننا اليوم على قناعةٍ راسخة أن حماية لبنان لا تكون إلا بالالتفاف حول الدولة والجيش الشرعي الوحيد.
وأضاف عبد المسيح أن الحياد ليس خياراً سياسياً فقط، بل يحمل انعكاسات إيجابية على الاقتصاد والمجتمع، لأنّ البلدان المحايدة تكون مستقرة، جاذبة للاستثمار، وقادرة على تحسين حياة مواطنيها.
وختم بالقول: بدنا نتشبّث بمبدأ الحياد لأنه الخلاص الأوحد للبنان واللبنانيين، شاكراً الشيخ سامي الجميّل والزملاء النواب على هذا القانون التاريخي والتعديل الدستوري الذي نأمل أن يلقى تأييد الجميع.
بولس ممثلاً معوض: صوت الناس يطالب بالحياد
ثم تحدث النائب السابق جواد بولس ممثلاً النائب ميشال معوض، مؤكداً أنّ هذا المطلب ينبع من إرادة الناس. وقال:
استمعنا إلى شباب لبنان في المدن والبيوت والمنتديات، وكلهم يسألون: لماذا نُجرّ إلى مشاريع ومحاور لا تمتّ إلى لبنان بصلة، لا وطنياً ولا إقليمياً ولا دولياً؟.
وأوضح أن واجب النواب هو التجاوب مع طموحات اللبنانيين وتثبيت مبدأ الحياد في الدستور، لا في البيانات السياسية. ودعا المواطنين إلى الضغط على نوابهم من أجل التوقيع على هذا الاقتراح، مؤكداً أن الدولة اللبنانية يجب أن تكون محايدة مليون بالمئة، فهذا واجب وطني ودستوري.
الأسئلة
وفي رده على أسئلة الصحافيين، أوضح رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل أن الحياد لا يعني التخلي عن حقّ لبنان في الدفاع عن نفسه، مشدداً على أن الدول الحيادية هي دول قوية وقادرة على حماية أراضيها.
وقال الجميّل إن الصراعات في العالم — من العربي الإيراني إلى الأميركي الصيني والروسي الأوكراني — لا علاقة للبنان بها، ومع ذلك يصرّ البعض على جرّنا إليها كما حصل في الحرب السورية حين شارك لبنانيون في القتال. وأكد أن الاقتراح الدستوري المطروح يمنع أي لبناني من التورط في صراع لا علاقة له بالدفاع عن الوطن، ويمنع الدولة من اتخاذ أي طرف في نزاعٍ خارجي.
وأوضح أن المشروع بات اليوم في المؤسسات بشكل رسمي لكنه يحتاج إلى تعاونٍ بين الرئاسات الثلاث والكتل النيابية كافة لإقراره، مشدداً على أنه مشروع وطن، لا قانوناً عابراً.
وأضاف الجميّل:
لا يمكن بناء دولة أو تحقيق حيادٍ حقيقي في ظل وجود سلاحٍ غير شرعي. قرار حصر السلاح الذي اتخذته الدولة يجب أن يُستكمل بتحييد لبنان عن صراعات الآخرين، لتحصين البلاد ومنعها من الانجرار إلى حروب جديدة.
ورأى أن غياب الحياد سمح لأحزابٍ بتنفيذ أجنداتٍ خارجية وجرّ لبنان إلى حروب لا علاقة له بها في سوريا وغزة وغيرها، داعياً إلى اعتماد مبدأ لبنان أولاً لإعطاء الأجيال فرصةً لحياةٍ طبيعية بعد خمسين عاماً من الصراعات.
وختم الجميّل قائلاً إنّ الحياد لا يتناقض مع الموقف الإنساني والسياسي للبنان، موضحاً أن الدولة تستطيع أن تدين المجازر والانتهاكات من دون أن تنخرط في أي مواجهةٍ عسكرية. وأضاف: الحياد يضمن أن يبقى لبنان صاحب رأي وكرامة، لا ساحةً لحروب الآخرين.


