أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها : أيها الأخوة الأعزاء، نحن في موقف لا شكّ أنه تاريخي وصعب، وإذا كان المسؤول يتحمّل هذه المسؤولية بصدق مع الناس ومع الشعب ومع مصالح وطنه لا مصالحه الشخصية، حينئذ سيحافظ على وطنه وسيادته و شعبه ومصالحه ، وإذا كان مفرطاً فلا يستحق أن يكون في هذه المسؤولية.
اليوم ان الموقف صعب وفي لحظة تاريخية فيها تحولات كبرى سواء على صعيد أمتنا وعلى صعيد وطننا وهي مترابطة، واليوم مصير العالم كله مترابط، وما يحدث في أي منطقة اليوم في العالم يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مصالح الوطن وعلى مساره السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتشكل القضية الفلسطينية محوره، رغم أن البعض يريد أن يفصل بين القضية الفلسطينية وبين لبنان كالذي يضع رأسه في الرمال، كل الذي يحصل الآن في المنطقة نتيجة ماذا؟ نتيجة القضية الفلسطينية، المسار في القضية الفلسطينية أثّر على مجرى الأوضاع في المنطقة كلها وعلى كل الدول المحيطة، نحن لسنا ضد أن تحافظ كل دولة على مصالحها الوطنية، ومن ضمن هذه المصلحة الوطنية والذي يحافظ على هذه المصلحة الوطنية هي المصلحة الكبرى وإن بدا آنياً أن هناك تعارض بين مصالح الأمة وبين المصلحة الوطنية.
مهما تكلمنا عن الوضع اللبناني الداخلي وعن الإنقسام الداخلي نحن نجترّ مواقفنا منذ تأسيس هذا الكيان ولم يتغير شيء، هناك تغييرات جزئية في المواقف لكن بشكل عام الإنقسام اللبناني الداخلي هو الإنقسام اللبناني الداخلي حول علاقتنا بالقضية الفلسطينية، ولكن في مواجهة هذا الموقف ينبغي أن يكون هناك موقف وطني موحد حتى نستطيع أن نحافظ على بلدنا وأن نحافظ على مصالحنا وعلى شعبنا و مستقبلنا و حريتنا، أكبر شعار رُفع في هذه الحضارة التي سموها الحضارة الغربية في هذا العصر هي موضوع الحرية وتم اطلاق شعارات الحرية، وأكبر كذبة في هذه الحضارة هي هذا الشعار “شعار الحرية”، اذ كان شعار الحرية شعاراً للتخريب ولتفكيك مجتمعاتنا، و انت لا تستطيع ان تفصل نفسك عما يجري حولك، خصوصاً للذين يبقون في حالة من الإنكار لكل ما يحصل، إنكار بأن إسرائيل تعتدي، إنكار أن إسرائيل لها طموحات، ثم ليس التوقف عند الإنكار وإنما تحميل من لا يوافق على ذلك ويواجه هذا الواقع تحميله المسؤولية، وأصبح من يريد أن يدافع عن نفسه وعن بلده وعن قضيته هو يرتكب خيانة وطنية وأنه مرتبط بأجندات خارجية وإلى آخره، و هذا انقلاب في المفاهيم، وبدل أن نكون جميعاً في مواجهة هذا الوضع المصيري الذي نمر فيه، و يكون كل ما لدينا من أقلام ومن خطابات ومن مواقف من مصادر قوة بالدبلوماسية وبالمقاومة، تم تحويل الموضوع إلى صراع داخلي وأن يستعين بعضنا بالعدو على البعض الآخر.
لذلك مرة أخرى نرفع الصوت لأن نُبعد الغرائز وأن نفكر جلياً وبعقل هادئ في مصلحة لبنان في هذا الواقع المزري الذي أساسه للأسف هو الموقف العربي الإسلامي العام من هذه القضية، ما يحصل عندنا في لبنان اليوم من تضارب ومن انقسامات هو ناتج عن هذا الواقع العربي والإسلام المزري في مواجهة الغرب وفي مواجهة عدوانه ومصالحه الكبيرة، لكن على الأقل نحن نستطيع إذا كان لدينا موقف موحد داخل لبنان أن نحافظ على ما يمكن المحافظة عليه في مواجهة ما يرسمه لنا الغرب وما يريده العدو الإسرائيلي، بدل أن نضعف موقفنا الداخلي ونحقق للعدو أهدافه بالحد الأعلى.
أنا أكيد أنه مهما حصل أن الحق الذي هو مرتبط بالله سبحانه وتعالى وهو أظهر وأبين الأمور، أنه مهما حصل هذا الحق هو الذي سينتصر بالنتيجة، وأن هذه الحضارة التي ترونها اليوم بدأت بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وصلت الآن إلى نهايتها لأنها اضطرت أن تكشف عن نفسها، الآن الغرب اضطر أن يكشف عن أهدافه الحقيقية، فحضارته هي حضارة إبادة ، فما حصل في فلسطين وما يحصل عندنا من قتل ومن عدوان هو حقيقة هذه الحضارة.
ومن هنا اقول الى كل اللبنانيين الذين جربوا خلال هذه الفترة بعد توقيع الاتفاق1701 وإنكارهم لتضحيات المقاومة ولإنجازاتها بالتحرير عام 2000 وانجازاتها في التصدي للعدوان عام 2006 الى عام 2024، هذه إنجازات للمقاومة بردع العدوان المباشر على لبنان ومنعه من تنفيذ مخططاته ، هذه إنجازات للمقاومة رآها كل اللبنانيين. واليوم وأكرر هذا الكلام الذي يحاول البعض أن يمحوه من الذاكرة، وأن يقول أن السلاح لم يحقق شيئاً، السلاح حقق كل هذا وكان عظيماً، وكان له أثر كبير على الصعيد الدولي، وعلى الصعيد الإقليمي، العربي و الإسلامي، كل الناس شهدت بعد إفشال العدو عام 2006 كيف كان وقعه في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، والآن بعد هذه المنازلة والتي شملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمواجهة المباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين العدو الإسرائيلي، الآن يحاولون إخفاءه إعلامياً وهل هناك حرب بلا تضحيات؟ هل فشلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي؟ لو فشلت لما كانت الآن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قائمة على قدميها، لما كان هذا الضغط الإعلامي والعسكري والمخابراتي ضدها، كذلك على المقاومة في لبنان التي وقفت على الحدود ومنعت العدو من الدخول رغم الخسائر الهائلة، و لم يكن يتصور لمقاومينا أن يقفوا على الحدود وأن يصمدوا في وجه خمس فرق إسرائيلية لم تستطع أن تدخل إلى داخل أرضينا وإنما استغلت القرار 1701، إذاً نحن لم نهزم، أمتنا لم تُهزم، من هنا المحادثات عبر الميكانيزم لم يكن المقصود منها أن تكون مسؤولة عن تطبيق القرار 1701، وإنما بعد سقوط سوريا كان المقصود هو تنفيذ ما لم تستطع الآلة العسكرية الإسرائيلية تنفيذه، هذه كانت مهمتها، الآن بالسياسة وبهذه التحايلات وبهذا الضغط سواء الضغط العسكري المباشر بتهديم البيوت في جنوب لبنان أو بالإغتيالات أو بالتهديدات للبنان، هنا المسؤول عليه أن يُظهر عن شجاعته وعن قيادته وأنه قائد حقيقي ومعبّر عن شعبه، إذا دخل هذه المفاوضات على قاعدة أن لبنان مهزوم (تنعاد عليكم) وأننا سنسلم بكل شيء والذي سيحكمنا هنا هي المخابرات الإسرائيلية والعدو الإسرائيلي، اذا دخل المسؤول المفاوضات فعلاً على قاعدة أن لبنان لم ينهزم وقد تحمل هذه المسؤولية وأن عليه أن يكمل ما أنجزته المقاومة بالدبلوماسية فليرنا ذلك، نحن لا نريد الحرب، نحن نريد عودة أهلنا إلى قراهم، نحن نريد إعادة الإعمار، نحن نريد إعادة الأسرى، نحن نريد أن تكون حدودنا سالمة وأن لا يُعتدى علينا، وعلى أن لا يُسرق اقتصاد لبنان وأن لا يسرق نفط لبنان، وعلى المسؤول أن يلتزم بذلك، فالمقاومة هي التي حافظت على الحدود اللبنانية والذي فرط في الحدود اللبنانية هو القائل بأنه ملتزم الدبلوماسية هو يتحمل مسؤولية ما جرى في جنوب لبنان من تهديم القرى ومما يحصل الآن، مع عدم التزام العدو الإسرائيلي، ويعود ويقول “سلاح المقاومة هو المسؤول” فهذا معيب، المسؤول يجب أن يكون مسؤولاً وأن لا يغطي فشله بإلقاء اللوم على غيره وعلى الذين وقفوا بشجاعة وببسالة وواجهوا العدو الاسرائيلي بثبات وما زالوا ثابتين على مواقفهم وعلى سلاحهم للدفاع عن لبنان وللدفاع عن قراهم، أساساً المقاومة اسمها مقاومة لأن هناك عدوان، فماذا تريدون أن تقولوا؟ أنه ليس هناك عدوان؟ وإذا كان هناك عدوان، فليست هناك مقاومة؟ على مستوى أن يحتفظ لبنان ببعض قوته في مواجهة هذا العدو ويُعطي قوة لكم كمفاوضين وكدبلوماسيين وأن تحققوا مصالح لبنان وأن تحافظوا على لبنان وأن تحرروا أرضه وأن تحافظوا على مصالحه، هذا ما أريد أن أقوله كرسالة إلى المسؤولين الذين يفاوضون بأن يتحملوا مسؤوليتهم بصدق وأن يكونوا أمينين على مصالح اللبنانيين وعلى حياتهم ، وأن لا يفرطوا فيها ويأخذوا لبنان الى الاستسلام للعدو الإسرائيلي.


